مقابلة | كيف أثرت جائحة كورونا على سلوكيات الطلاب؟

حين وقع طلاب المدارس من مختلف انحاء العالم في أسر جائحة كورونا، اضطروا لالتزام بيوتهم شهورا طويلة، وفي أعقاب ذلك استنتج عدد كبير من الطلاب بأن التغيب عن المدرسة وعدم الالتزام بالتعليم الوجاهي، هو ليس "مصيبة"

مقابلة | كيف أثرت جائحة كورونا على سلوكيات الطلاب؟

توضيحية (أ ب)

حين وقع طلاب المدارس من مختلف انحاء العالم في أسر جائحة كورونا، اضطروا لالتزام منازلهم شهورا طويلة، وفي أعقاب ذلك استنتج عدد كبير من الطلاب بأن التغيب عن المدرسة وعدم الالتزام بالتعليم الوجاهي، هو ليس "مصيبة"، وأنه يمكن الاستعاضة عن هذا النوع من التعليم الأساسي بطرق بديلة كالتطبيقات والأنظمة المحوسبة الأخرى التي يتوفر فيها كل شيء.

ونتج عن ذلك أيضا ظاهرة التغيب عن المدرسة بسبب أو دون سبب، فإذا كانت حالة الطقس لا تروق للطالب أو سهر ليلته مع الأصدقاء أو أمام لعبة إلكترونية محوسبة حتى ساعة متأخرة تجده لا يتردد في التغيب عن المدرسة في اليوم التالي!

وقد لوحظ في الشهور الأخيرة ارتفاعا حادا في عدد توجهات الأهالي إلى المستشارين والأخصائيين النفسيين والتربويين من أجل طلب المساعدة في التعامل مع الأولاد الذين لا رغبة لديهم في العودة إلى التعليم الوجاهي.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" الأخصائية والمعالجة العاطفية الفكرية والسلوكية، هالة غريّب فرحات، من مدينة حيفا وهي تدير عيادة خاصة بها إلى جانب عملها في عدد من المستشفيات والمراكز ذات التخصص في العلاجات العاطفية والسلوكية والمشاكل الزوجية والأسريّة.

"عرب 48": كيف أثرت جائحة كورونا على سلوكيات الطلاب؛ وكم هي ظاهرة العزوف عن التعليم الوجاهي منتشرة في المجتمع العربي؟

غريّب فرحات: لنبدأ أولا في الحديث عن التوجهات المتزايدة والمتفاقمة من قبل الأهالي حول عدم رغبة أبنائهم في العودة إلى مقاعد الدراسة، النابعة من تخوّفات من التأقلم ومن النجاح، بمعنى أنهم يخشون من عدم تحقيق هدفهم التعليمي وتحصيل العلامات كما هو متوقع منهم، والجانب الآخر هو الجانب الاجتماعي، وعدم التأقلم وهو لا يقل أهمية عن الجانب التحصيلي.

الأخصائية هالة غريّب فرحات

هنالك خوف من ظاهرة التنمر وصعوبة في التأقلم والانتماء إلى مجموعات وتقبل الآخرين له، والعكس صحيح. هذا بالأساس هو جوهر الشكاوى العديدة التي نعالجها يوميا، فهذا القلق يتشعّب إما إلى مشاكل فكرية عاطفية وإما إلى مشاكل سلوكية، من أفكار سلبية تساور الطالب وإسقاطات هذه الأفكار على الشعور العاطفي للطالب، كالشعور بالكراهية تجاه المدرسة وتجاه الأهل والهيئة التدريسية أيضا، ومن ثم تنعكس هذه الأفكار على سلوكيات الطالب، التي توجهه نحو التغيب عن المدرسة أو الإهمال في دراسته.

"عرب 48": هل نشأت هناك حالة من الغربة بين الطالب ومدرسته، وكيف يؤثر فقدان الأصدقاء والزملاء على الطالب، وهل من المهم أن يكون لدى الطالب أصدقاء في الدراسة؟

غريّب فرحات: الجانب الاجتماعي مهم جدا للطالب، لأنه بطبيعة الحال حين يمر الإنسان بأزمة أو بمأزق مع مجموعة من المحيطين به، يكون أسهل عليه الخروج منه مما لو وجد نفسه وحيدا في مأزق أو في أزمة، فمن أبرز الجوانب السلبية التي خلّفتها أزمة كورونا أنها جعلت الطفل أو الصبي يستوحد أو يكون وحيدا، وحين أقول إن الطفل استوحد فإني لا أقصد فقط انعزاله عن أقرانه الطلاب، وإنما الشعور بالوحدة والعزلة حتى بين أهله، خاصة الطلاب الذين يعيشون في أسر الأب والأم فيها يخرجان من البيت يوميا إلى العمل، ويُترك الطفل وحيدا.

"عرب 48": ما هي إيجابيات التعليم الوجاهي، وتواجد الطالب في المدرسة ماذا يمنحه وكيف ينعكس عليه؟

غريّب فرحات: لا يوجد مكان يخلو من السلبيات، سواء التعليم الوجاهي أو التعليم عبر تطبيق "زووم". ونلاحظ وجود توجهين مختلفين لدى فئتين من الطلاب، فهناك فئة من الطلاب تعبّر عن ارتياحها للتعلم عن بُعد، وأن هؤلاء الطلاب بعيدين عن ظاهرة التنمّر، وبعيدون عن الضجيج والضوضاء التي يحدثها بعض الطلاب، نظرا لوجود إمكانية إسكات أو عزل الطالب المزعج عبر تطبيق "زووم" وبالتالي يمكنه التركيز أكثر مما لو كان داخل الصف، وهناك الفئة الأخرى غير القادرة على التأقلم في التعليم عن بُعد، وهم طلاب يرغبون في بيئة تعليمية جماعية واجتماعية، لذلك نلاحظ بأن فئة من الطلاب استفادت من التعليم عن بعد مقابل فئة أهملت تعليمها كليا وكانت منشغلة عن التعليم عبر "زووم"، وهذا يتعلق بشخصية الطالب، وبدور الأهل في مساعدة الطالب، وبجاهزية الطاقم التعليمي لعلاج مثل هذه المشاكل الطارئة، وبدوائر عديدة أخرى.

"عرب 48": كيف يؤثر عدم توجه الطالب إلى المدرسة على تطوّره الاجتماعي وتأقلمه في المجتمع؟

غريّب فرحات: دعنا لا ننسى أننا نلاحظ العزلة لدى الجيل الصاعد حتى قبل جائحة كورونا إذ أصبحنا نطلق عليه مصطلح "الجيل الصامت"، لأنه يتعامل في حياته اليومية مع الأجهزة، حتى أثناء تواجده بين مجموعة، هذا كان قبل كورونا فكم بالحري في ظل تواجد الطفل أو الصبي في البيت، وإلى جانب لعبته الالكترونية المفضلة فقد تجده يجلس ساعات طويلة دون أن يغادر غرفته، وقد يفتح تطبيق "زووم" في الوقت ذاته لكنه لا يكون حاضرا في الدرس. لذلك فإن ظاهرة العزلة كانت موجودة من قبل وجاءت أزمة كورونا لتعظّم هذه الظاهرة.. وأنا هنا لست في صدد التعميم نظرا لوجود فئة قد استفادت من التعليم عن بُعد.

"عرب 48": ما مدى خطورة أن يكتشف الطالب بأن عدم تواجده على مقعد الدراسة هو ليس "مصيبة"، وأنه دائما هناك إمكانية للاستعاضة عن هذه الضرورة؟

غريّب فرحات: هذا الأمر ليس بجديد، دائما كنا نلاحظ وجود طلاب لا ترى في التعليم شيئا مهما وحاجة ضرورية، ويمكن الاستعاضة عنه بشتى الوسائل حتى قبل وجود تطبيقات الكترونية، وهذه التطبيقات زادت من حدة الشعور بعدم المسؤولية لدى الطالب، وأصبح الطالب "اتكاليا" حين توفر له الحاسوب المحمول الذي شجع الطالب على الاتكالية وعدم تحمّل المسؤولية. وهنا يجيء دور الأهل في العمل على الجانب "النفسي - التربوي"، والجلوس مع الطالب وتحديد الأهداف المرجوّة من الطالب، وليس من الضروري أن ننجح في تحقيق كل هذه الأهداف، فلو وصلنا معه إلى تحقيق نسبة 70% من الأهداف والتوقعات التي وضعناها معا (الأهل والطالب) يكون الحال جيدا. وكثيرا ما نرى بأن الوالدين عاشا المأزق والقلق مكان الطالب، وأصبح يعتمد عليهما ويرى فيهما طوق النجاة لأن حرصهما على نجاحه يفوق حرصه هو نفسه على نجاحه. لذلك نحن نحاول من خلال العلاج وجلسات الإرشاد توجيه الأهل لجعل الطالب يتحمّل المسؤولية عن نفسه لا أن يعتمد عليهما، وأن يكونا فقط عنصرا داعما ومساعدا للطالب، وعليه هو أن يجد الحلول لنفسه ولمشاكله.

"عرب 48": في فترة الإغلاق التي أعقبت انتشار فيروس كورونا ظهرت العديد من المقاطع الهزلية والساخرة التي توضح رغبة الأهل في إرسال الطالب الى المدرسة بكل ثمن فقط من أجل "التخلص منه" أو من اجل "الارتياح منه" كيف ينعكس هذا الشعور على نفسية الطالب؟

غريّب فرحات: في الواقع معظم المشاكل التعليمية مرتبطة بمثلث الطالب، الأهل والمدرسة، لذلك من الضروري أن تبنى العلاقة بين هذه المركّبات الثلاث على الشفافية، فعندما يجلس الطالب في البيت على مدار الساعة (طوال النهار والليل)، وسواء كانت الأم عاملة أو ربة منزل، فهي تقوم بدور عظيم بلا شك، وعليها أن تنقل رسالة واضحة لابنها الطالب بأن مكانه الطبيعي في ساعات اليوم هو داخل المدرسة، وهذا جزء من نظام حياته الطبيعي، وأن يكون بين زملائه ومعلّميه بينما يكون الأب أو الأم في أماكن عملهم، نعم في مكان معين يجب أن يفهم الطالب بأن وجوده في المدرسة هو راحة للأهل على الصعيد النفسي، وأن وجوده غير الطبيعي في البيت هو مصدر قلق لهما. وإذا كانت كورونا قد أفرزت شيئا جيدا فهو رفع مكانة المعلم وزيادة شأنه في عيون الأهل. فهذه المقاطع الساخرة والمسلية إنما كشفت الأهل على دور المعلم وزادت من قدره.

التعليقات